إنه عمرها فقط !
قلت لها بفجاجة : نعم أحسدها ! هل رأيت كيف كانت تأكل الكعك في حلقة الأمس ؟ ! تضعه في فمها واحدة بعد الأخرى بشكلٍ مستفز ؟
قالت : أي استفزاز ؟ هل أصبح الأكل استفزازاً ؟ ! ثم إن دورها في التمثيلية تطلب ذلك !
قلت لها : هل تعلمين كم عمرها ؟ لقد تخطت الستين بسنوات ، و كانت تأكل الكعك الذائب في السمن ـ هل رأيت كيف كان يتفتت في يدها ؟ و كنت أتساءل عن سر جمال بشرتها رغم عمرها ، هل تعتقدين أنها مع ذلك قد شدتها ؟ لابد شدتها ؛ ترى كم مرة و بكم ؟
هل أخذ بلبك شعرها الأسود الهفهاف ؟ هل رأيت كم هو ثقيل و لامع ؟ حسرة عليّ و على شعري المهترئ ! لكن هل تعتقدين أنها تصبغه ؟ طبعاً تصبغه ! لكن هل هو حقيقي أم باروكة ؟ لا .. لا.. لو كانت باروكة لما فاتت عليّ ! ربما زرعته ، نعم و لم لا و هي تقبض مئات الألوف في كل مسلسل تعمل به !
هل رأيت لبسها : كله " سينييه " ! حصرة قلبي و أنا ملابسي سينييه سوق " التلات " و " وكالة البلح " !
لكن هل رأيت كم كانت تتلذذ بالكعك الذائب في السمن ؟ لو طمعت أنا في لقمة عيش بعسل أسود لظللت أصرخ لليوم التالي من آلام المرارة ! و أنت تعانين من القولون العصبي ، و أخي لديه قرحة بالمعدة ، و والدي يعاني من فيروس الكبد الوبائي ، و نعاني معه و مع أمي التي تغسل الكلى في الأسبوع ثلاث مرات ؛ نعاني من شحذ ما يسد أدوية هذا كله ـ رغم أنهما يعالجان على نفقة الدولة تبعاً لوظيفتيهما ـ !
إييييييييييييييه .. اتركي هذا الهم جانباً فما جئت إلا لكي أتسامر معك !
لكن كيف تهضم معدتها كل هذا الكعك الذائب في السمن ؟ لا .. لا تقولي لي ؛ أنا أعرف ..
إيييييييييييه " هيّ فلوس و اللا أكتر " ؟
و بعد هذا الذي نراه كله هل يُعقل أن لا أصاب بالمرارة ؟ !
أبدت هناء استياءها الواضح مما قلت بامتعاضة بوجهها و قد خافت من التصريح حتى " لا تفتح على نفسها فتحه " !
لو علـّقَتْ بكلمة " لما سكت لساني اليوم ! كل ما فعَلتْهُ ابتسامة زائفة ؛ أعرفها تخفي طلباً في المغادرة ، بدلاً من إظهار شيء من الامتنان للزيارة !
الــــــــزيــــــــارة ! لمَ لمْ تحضر لي واجب الضيافة إلى الآن ؟ أم أنها معتمدة على أوامر الطبيب و سيادة المرارة بالحرمان " ؟
آآآآآآآه لا دوا نافع و لا فلوس عمليّة في اليد " ! نطق بها لساني و لم أخجل فهي تعرف الحال ..
فتحتْ فمها و أرادت التسرية عني بكلمتين ، لكني أكره كلمات " الطبطبة " تبدو و كأنها كلمات شماتة ، أو كأنها قادمة من عالم آخر ـ حتى لو كان القائل من عينتي الفقرية التي تعيش ما أعيش ـ
قاطعتُها قبل أن تنطق : افتحي التليفزيون يا هناء ، التمثيلية قربت ؛ ربما نراها تأكل بغاشة هذه المرة أو .. أو حمام " محشي " أو .. أو بط بالبرتقال ـ كيف يصنعون هذا ـ كيف يكون طعمه ؟
فضّلت هناء الصمت و الاستجابة لطلبي و هي مطبقة الشفتين ..
حين فتحت هناء التلفاز ـ و كانت نهاية نشرة التاسعة ـ كانت المذيعة تعيد عناوين الأخبار ، و في نهايتها كان خبر ينعي بمزيد من الأسى الممثلة المشهورة التي توفيت مساء اليوم بغصة شديدة سدت مجرى التنفس ، و لم تفلح محاولات من حولها في إنقاذها و توفيت على إثرها ، و ستشيّع جنازتها غداً من مسجد عمر مكرم !
كنتُ مشدوهة للخبر أكثر من هناء نفسها !
و حين نظرَتْ إليّ تلك النظرة المُعَبِّرة ، صرختُ فيها ـ و قد بلغت باب شقتها ـ :
ــــ لماذا تنظرين إليّ هكذا ؟؟
إنهــــــــــــــا ليـــســــــــــــــت عيـــــــنـــــــي .....
!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق