ساعة عصاري
كنت قد خرجت بعد العصر متجاهلاً تماماً كل التحذيرات التي دأبوا على تحفيظها لنا عن خطورة ساعة المغربية و السير وحيداً في الغيطان البعيدة ، لم أومن أبداً بهذه الخزعبلات " ما عفريت أللا بني آدم " و ما كنت لأفوِّت فرصة الفرجة على الغازِّية في المولد المنصوب في البلدة المجاورة " يا ترى جايبين صابحة و اللا رباب ؟" الشمس على وشك المغيب و قد وصلت الساقية المهجورة ، " عال " بقي غيط واحد أقطعه و أصل ، لكن قبل أن أتجاوزها استرعى انتباهي شيء غريب : إنه "نورج ! " و يبدو صالحاً تماماً ! ترى من تركه هنا ؟؟ فكرت أنني يمكن أن أحصل عليه و أبيعه فهو متروك بلا صاحب ! ربما نفذت فكرتي غداً و لن أعدم طريقةً لنقلِه ! في أثناء تفحصي له استرعى انتباهي فانوس قديم جداً ! كيف لم أره منذ البداية ؟ أثار منظره ضحكة ساخرة على شفتي و قلت لنفسي : ياه و لقيت مصباح علاء الدين كمان ! لا ينقصني إلا دَعْكُه ! وسوس في أذني صوت كأنه صوتي ، قال لي : و لم لا تفعل ؟ ، لا أدري لم نسيت فجأة موقفي من الخزعبلات و الحكايات الخرافية !
هل دعكته لأثبت لنفسي أني على حق أم أنني كنت فعلاً أومن بما زرعوه داخلي و كنت أكابر فقط ؟
دعكة واحدة فقط ، لا لقد كانت مجرد لمسة فقد كنت على وشك الإقرار بكامل موروثي الشعبي في تلك اللحظة و أنصرف راكضاً ،لكن هيهات و قد ملأ هذا الدخان الكثيف الخارج من المصباح الطريق أمامي ! و قد تجسّد كأسوأ كابوس قد تحلم بالاستيقاظ منه ، و قد أرعدت أذنيّ كلماته المعهودة : شبيك لبيك عبدك و بين إيديك ، اطلب تُجاب !
كنتُ جاثياً على الأرض و لم أكن أرغب في أن أطلب منه أكثر من أن يُعتقني و ينصرف ! انتفض جسدي رعباً و قد كادت كلماته المُعادة تخرق أذني هذه المرة : اطـلـب تجــــــــاب!
تلعثمت ، ثم تمالكت نفسي و ربَّتُ عليها بكلماتي لها : قد وقعتَ على كنز : اطلب ، اُطلب !
و حين رفعت عيني و قد دفعني الطمع لأنظر : رأيتُ وجهاً عابساً حزيناً ! أشفقتُ عليه رغم ما بي من هلع ! و حين فتحتُ فمي لأطلُبَ منه أي شيءٍ ، و إن لم أكن قد حددتُه بعد .. فاجأني صوته و قد امتلأ حُزناً رغم ما في طلبه من جبروت :
ـ لكن قبل أن أنفذ لك أي شيء لابد أن تسجد لي أولاً !
ما هذا !! من السيد ؟؟ من العبد ؟ من يطلب مِن مَن ؟؟ هذا يخالف الحكاية تماماً ! مهلاً ، أنا أستشهد بالحكاية !! أنا أعيشُها ؛ بشكلٍ ما ..
لكن لا بأس ،ماذا لو سجدتُ له لحظة ثم أصبحَ خاتماً في إصبعي عمري كلَّه ؟ حينها سأحصل على كل الغوازي اللاتي أريد ، و سأتزوج بنت شيخ البلد .. لا ، بنت العمدة نفسه !!
لا أدري هل سجدت خوفاً أم طمعاً أم كلاهما معاً ، لكني ما إن فعلت حتى سمعتُ صوتَ شيءٍ ما ! النورج !!
حين تلقَّّفت روحي تلك الأيدي القاسية ـ رغم جلبابها الأبيض الفضفاض ـ صاعدةً بها إلى السماء ؛ نظرتُ إلى الأسفل حيثُ كانت رأسي لاتزال تقطرُ دماً في يد ذلك الشيء ، و قد أخذ يُربِّتُ على ظهر مارد المصباح باليد الأخرى قائلاً : أحسنت ! بقي لك اثنان و عشرون رأساً آخر حتى تكتمل المائة و تكمل عقوبتك و يعفو عنك الملك الأعظم !
ثم دفعَهُ بازدراء إلى داخل المصباح ثانيةً و هو يقول : ما كان يجب أن تتعاطف مع إنسيٍّ في حضرته ! ثم نظر إلى أشياء أخرى مثله ، كانت تحمل جسدي و رفع صوته آمراً بصلف : إلى حيث سابقيه !
كان جسدي لا يزال ينتفض بأيديهِم و هو يلفظ آخر أجزاء روحي التي انضمت إليَّ صاغرة ، و حين جاوزنا السماء الدنيا نظرتُ إلى الأعلى و كنتُ على يقين أني في انتظار عقابٍ لا أعرفه !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النورج : المحراث الذي يعلق فيه الثور .
النورج : المحراث الذي يعلق فيه الثور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق